تعيا المراسيلُ

0


تعيا المراسيلُ أن تُنبي و أن تُبدِي
عمَّا أُجِنُّ و أن تَشفي و أن تُجدِي

أو أن ترنُّ على الأسماعِ في ملأٍ
قد شاقَهُ اللحنُ حتى راحَ يستجدي

تعيا المراسيلُ أن تُنبي و لا وَرَقٌ
أستغفرُ الحرفَ هل يُبدي عن الوَجْدِ!

أستغفرُ الحرفَ أن يُغني و لا نُقَطٌ
أو أُعجِمَ الحرفُ حتَّى راقَهُ مَجْدِي

أو قُصِّدَ الشِّعرُ في الأسحارِ يقصِدُها
أو أُبعِدَ النَّثرُ عن نَشْرِ و في حَشْدِ

أو أسْكَرَ الشَّايُ حتَّى رُحتُ أسكُبُهُ
كأسَ الخُمَارِ و دَمعٌ قد جلا خَدِّي

أستغفرُ الحرفَ هل يُبدي عنِ الوجْدِ
أستغفرُ الشوكَ إذ يُنبي عنِ الوردِ

أستغفرُ الله ذنبي قد بَرى جَسدي
أستغفرُ الطَّيفَ بعدَ الهَجرِ و الطَّردِ

أستغفرُ الحبَّ طيفاً قد خفرتُ به
و العهدُ عهدٌ و مهما طالَ في البُعدِ

أستغفرُ الطَّيفَ أن تهوي عزائِمُنا
إذما أُزيحَ ستارٌ و انجلى قَصْدي

يا طيِّبَ النَّفْحِ هلاَّ جئتَ مُفتخِراً
يا طيفَها الصَّفحَ قد أغرقتَ في صدِّي

يا طيفَها الصَّفحَ إذما جئتُ مُعتذِراً
أم تُرسِلُ الجيشَ في سَفحٍ و في جَردِ!!

أم تقتلُ الجسمَ مثلَ الرُّوحِ إذ قُتِلَتْ!
أم تُعلنُ الحربَ في حُبِّي و تستعدي!

أم تقبلُ العُذْرَ أنِّي ما مررتُ بِكُم
إلا رميتَ بسهمٍ في الحشا يُردي

أم تقبلُ العُذرَ أنِّي ما كتبتُ لكم
إلا أُطيحَ خيالي و ارتمى نَردي!!

أم تهدِمُ الجسرَ بين البدرِ مُتَّصلاً
و الشَّمسِ تحطِمُه و الحُبُّ يستهدي!

أم تعصرُ الخمرَ في هجري فتشربُه!!
و البينُ قتَّالٌ يا صاحبَ القدِّ


يا صاحبَ الطَّيفِ هل تهوي عزائِمُنا!
بل كم غفرتَ ذنوباً إذ رَبَتْ عِندي

بل كم مَحَوتَ و قد شبَّتْ حضارَتُنا
عهدَ الخُمارِ و ذاكَ العهدُ كالطَّودِ

أفلا تسامح عبدا مسلما طفقت
كلتا يديه بما تجني و ما تبدي!!

أفلا تسامحُ عبداً ذابَ أكثرُه
في حبِّكمْ أملاً يا كًثرَ ما يُهدي

أستغفرُ السِّترَ إذ أرخيتُه أملاً
و نسيتُه ألماً في الدَّمعِ و الفَقْدِ

آليتُ و الله أن أُزجيكُمُ عَجَباً
فيسرُّكمْ وصلي إن ساءَكُمْ بُعدي

و تطولُ أفراحُنا في روضِنا أبداً
فتطالُ آمالُكُم شمسَ الورى بعدي

و يخالُنا النَّاسُ أنَّا فيهِمُ سَعْداً
فنعيشُ ما عشنا في المجدِِ و الوجْدِ

و نبيتُ طاويين في جوعٍ و في ظمأ
كوخاً يُعيثُ بنا في الحرِّ و البَرْدِ

بسعادةٍ أبداً ينسيناهُ حُبٌّ
و كأنَّه قصرٌ أو جنَّةُ الخلدِ

هل فقرُنا قتلٌ للحبِّ أم أنَّا
في النَّاس تمثالٌ في السَّعدِ بالزُّهدِ

و الحبُّ أكمَلُهُ ما كان أوَّلُه
فقراً و آخرُهُ للجاهِ و المجدِ

يا صاحبَ اللحنِ عزفٌ كان أوَّلُه
في حبِّكُم فغدا مُستكمِلَ الرِّشْدِ

يا صاحبَ اللحنِ و النَّهَوَنْدُ أكثرُهُ
فغداً حجازُ و بالدوبيت و الرَّصٍدِ

هل تَنكَأ الجُرحَ كي يَرويكُمُ دَمُنا
أم تغفرُ الذَّنبَ يا يا صاحبَ الخدِّ؟!

ذكَّرتِني و أنا النَّسيانُ ما اقتَرَفَتْ
يُسراي في عُسري في الخَمرِ و النَّهدِ

و الدَّهرُ أكثرُه بين الأسِرَّةِ في
وهمِ الشَّبابِ ألوثُ العُمْرَ للوَأدِ

عشرونَ عاماً كبَرقٍ خلتُه غيثاً
فهوى كصاعقةٍ في ومضِها تُردي

عشرونَ عاماً كأنِّي ما مررتُ بها
إلا كَمِثْلِ منامٍ فانجلى سُهدي

عشرونَ عاماً و كم تجتاحُني سِنَة
فأقومُ مذعوراً ممّا جَنَتْه يدي

عشرونَ عاماً كمِثْلِ الصَّيبِ أوَّلُها
فرأيتُها كَفَنَاً يشتاقُ ما عندي

ذكَّرتِني و أنا النَّسيانُ فادَّكِري
مَندُوحَةً كانت مِن كَثْرةِ الصَّدِّ

و لتغفِري عَجَبَاً و لْتَنظُري عَجَبَاً
و استغفِري مَللاً و الدَّمعَ في خدِّي

و استمطِري ذهباً أو لؤلؤاً صِرفاً
و تطيَّبي عِطراً أُهديهِ مِن وَرْدي

***

هل أنَّني و أنا ربُّ القصيدِ بِكُمْ
هامَتْ قصائِدُنا مُستغفِراً بُعدي؟!

أم أنَّ حُبَّكُمُ يجني عليّ فما
جَنَّ الفؤادُ لكم يجني على رُشْدِي

فأفقتُ من سُكرٍ كان الصِّبا عَبَثَاً
و غَرِقتُ في سُكرٍ في خَدِّكِ الوَرْدِي

حتَّى إذا ما أحسستُ نشوتَه
فسبحتُ في سُكرٍ في خدِّكِ المُكدي

فأفقتُ مِن هَلَعٍ لتَرينَني ثَمِلاً
ألماً يُعالِجُني في الطَّعنِ و الطَّردِ

و السُّكرُ أعذَبُهُ ما كانَ في لَحْظٍ
و السًّكرُ أشأمُه ما كان عن فَقْدِ

حتَّى أفقتُ بِسُكرٍ في الهجيرِ يداً
تمشي و أقداماً للعطفِ تستجدي

نكَّستِني سُكراً أرْدَيتِنِي بِكراً
ماتت مَشاعِرُها بالحرِّ و البَرْدِ

أسلمتِني لِيَدِ الطَّاعونِ فاحتدمَتْ
خَمسٌ على جسدي و الرُّوحِ تَستَعدي

أكذلك الحُبُّ يا محبوبتي حَربٌ
سُكرٌ و طاعونٌ و الحرفُ لا يُجدي؟!

أكذلك الحُبُّ جَزَّارٌ و هل أسَفٌ
أٌبديه عن لُقيا في جنّة الوَردِ

عن قصُةٍ كانت بدءَ العذابِ و ما
لاقيتُها أبداً بل حلَّ بي وَحْدي

عن قصُةٍ أُنبي أنبيهِمُ عنها
تبقى كَمَوعِظةٍ للنَّاسِ مِن بعدي؟!

تبقى كمَلحَمَةٍ في الحُّبِّ أوَّلُها
بيتُ التَّغزُّلِ في لَحْظٍ و في قَدِّ

أبياتُ مَلحَمَةٍ لو صُغتُها امرأةً
فتَّانةً لغدا فُسْتَانَها الوَرْدي

لكنَّه ضَيقٌ و مًُزَرْكَشٌ عَجَبَاً
لقضاءِ عُدَّتِها أزجَتْهُ في طَرْدِ

عن صُدفةٍ نفسي صارتْ لها مُلكاً
روحي لها ارتَهَنَتْ في القُربِ و البُعْدِ


هل يعشقُ النَّاسُ بعدي غادةً و أنا
أُملي لهم نعيي كعجائِزٍ مُردِ؟!

أم أنَّ أوَّلَهُم يقرا القصيدَ يرى
في الحُبِّ مَأتَمَةً  في التِّيهِ و الصَّردِ؟!

أم يرتكِبْ خطأي لا ينْهَهُ جَشَعِي
فيقودُه طَمَعي للجُرفِ أو سدِّ

عن صُدفةٍ فَغَدَتْ مثلَ السَّحابِ و قد
لاحتْ سرابَ فلا تَسقي و لا تُندي

يا ليتها كانت حلوى فأمضَغُها
و أُسيغُها طَرَبَاً أُهدَى و لا أُهدِي

يا ليتَها كانتْ أُرجوحَةً أقضي
فيها دقائقَ ثُمَّ تروحُ تَستَهدي

يا ليتَها كانتْ أرجوزَةً نُشِرَتْ
و نسيتُ أبياتاً في الشَّهدِ  و النَّهدِ

عن قصُةٍ عَجَبَاً للحُبِّ يملؤني
كالُّلجِّ مُضطَرِبٍ و أبيتُ أستَجدي

كالبحرِ أمواهُهُ تُبقيكَ في ظَمَأٍ
و عذابُه عَذْبٌ و خِصامُهُ يُردي

مصارعُ العشقِ هل طالعتُها عِظةً
أم كُنتُ في شوقٍ للوصلِ و الصَّدِّ!!

مالي أراني و قد ذقتُ الهوى حتَّى
أمْسَتْ مراتِبُهُ كالسَّيفِ في الغِمدِ

أرنو مَدَارِجَهُ كالنَّسرِ مُرتَفِعَاً
و يتوه مُضطرِباً في الحقلِ يستجدي

حتى خَبِرْتُ حروفَ الحُبِّ أجْمَعَها
إلا الوصالَ و قد شابَ الهوى بَعدي

مُستغرِقَاً بخيالي ما مَررتُ به
فرأيتُني طِفلَ استهواهُ أن يُكدي

***



مع تحيات الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © ابن نزار الدمشقي

تصميم الورشه