بيني و بين قلبي : ابن نزار الدمشقي

0

 
يا قلبُ يكفي تَحَسُّراً يا قلبُ يكفي تأثُّرا

يا قلبُ كِدتَ لأن تُريقَ الدَّمعَ دمعي أنهُرا

 يا قلبُ لِمْ هي لَمْ تُراعي قلبَ قلبي يا تُرى!!

يا قلبُ هل تهوى صديقاً أو غلاماً آخرا!!

يا قلبُ لِمْ لا تَنْسَهَا تنسى الحياةَ و ما جرى؟!

يا قلبُ لِمْ لا تَرعوي تنظُرْ أمامَكَ لا ترى!!

يا قلبُ لِمْ لا تَصْطَفي عذراءَ تُشْْبِكها العُرى!!

يا قلبُ حتّى في القوافي !!! قَدْ مَلَلَتُ , كفى مِرا

يا قلبُ قَدْ أقسمتَ أنَّك لن تعودَ  و لن تُرى

يا قلبُ لِمْ قلبي جبُنْتَ !! و لِمْ حَنَثْتَ و لِمْ تُرى!!

***

يا عبدُ لا تنظُرْ بعينِكَ قَدْ عُيونُكَ تَخْدَعْ

يا عبدُ عيني مَنْ ستجزِمُ في القوافي ترفعُ

يا عبدُ ها هي في القوافي مع حُروفِكَ تُشفعُ

يا عبدُ لِمْ لا ترعوي تنظُرْ بعينِك تُنْفَعُ!

يا عبدُ أينَ الصَّبرُ ؟ قدرُكَ في المحَبَّةِ أرْفعُ

يا عبدُ فاعقِلْ فيَّ فاعقِلْ هَلْ ضعُفتْ فَتجزعُ!!

يا عبدُ قد أقسمتَ أنَّك كأسَ حبِّكَ تَجْرعُ

***

يا قلبُ قد نكّستني و الله قد بكَّيتني

يا عبدُ فَلتَبْكِ  , و إلاّ ليتَ أمِّي و ليتني

يا قلبُ يكفي دعْكَ منها بالدُّموعِ جَزَيتَني

يا عبدُ يكفي قُلتَ عنها شمسَ عُمْرِي فاجْتَني

هل أجتَني ثمراتِ قولي أم ثماري أجتَني؟

***

يا عبدُ لا تحزن ... حبيبي بالدُّموعِ سَأغتَسلْ

يا عبدُ لا تَجْزَعْ فإنَّكَ قد وَصَلْت قبلَ اْنْ أصِلْ

يا قلبُ قلبي أين أنتَ و هل أراكَ خدعتَني!!

يا قلبُ هل أنتَ المُحَدِّثُ !.. أم تُراكَ سحرتَني؟

يا عبدُ ها أنا في ثراها في رُباها أجَتني

يا قلبُ مَن هذا المحدِّثُ؟!! لست قولي تمتثل!!

يا عبدُ لا لا لا تلُمْني قد سَحَرْني نورُها

***

يا عبدُ فَلتَرْفَعْ شُؤونَك للعليِّ القادرِ

يا عبدُ و لتَبْثُثْ شجونَكَ طيفَ حِبٍّ ساهِرِ

يا عبدُ كَمْ كانتْ تُحدِّثُ في الصَّباحِ الباكرِ

يا عبدُ لكن كنتَ تهوى دورَ حِبٍّ هاجرِ

يا عبدُ فلتحصُدْ يمينُكَ زَرْعَ عبدٍ ماكرِ

***

يا قلبُ خُذْ هذا دواءٌ يُحتسى عندَ السَّحَرْ

يا قلبُ فاشربهُ ثلاثاً... تَنْسَهَا أو تستَقِرْ

يا قلبُ حاذِرْ أن تعودَ لذِكرِها أو تستمِرْ

يا قلبُ باعتني رخيصاً في الصَّباحِ الباكرِ

***


و صارَ القلبُ بَعدَها يشربُ الدواءَ بانتظامٍ و استمرارٍ في كلِّ سَحَرْ

و تَخدَّرَ القلب

و غَارتِ المشاعر

و كادتِ الأحلامُ و الذِّكرياتُ الجميلةُ أن تَندثِرْ

و غفا الجُرحُ على كتِفِ الزَّمانْ

و أصبحَ يستسقي من الجفاءِ و الصَّدِّ و الضَّجرْ

و تبدَّلتِ الأحوالْ

أحوالُ ذلكَ القلبِ المسكينِ المُنكسِرْ

و انقلبَ قاسياً جلفاً بِفِعْلِ ذلك الدَّواءِ العجيبْ

و حبَّذا لو توقَّفَ فِعلُهُ عندَ هذا الحَد

و لكلِّ دواءٍ تأثيراتٌ جانبيَّة

و سلبياتٌ قد لا يُؤبَهُ لأمرِها في البِداية...

فسرى مفعولُه في جميعِ الأورِدَةِ و الأعراق

و انتُشَرَ سُمُّهُ بطيئاً على مدارِ الجسمِ

من الناصية حتى أخمصِ القدم

مروراً بالصَّدرِ و البطنِ و السّاق

و ضمن كلِّ خليةٍ و صفيحةٍ دمويَّةٍ

حتى سَيطَرَ على الجِسمِ جميعاً

و أحاطَ بالخيال

فباتَ يحُدُّ منه

و بالفِكرِ يُعطِّلُه

و بالعيونِ يُحَجِّرُها

و بالأعصابِ يُتلِفُها

و بالآذانِ يَصمُّها

و أتى في الجَسَدِ على كلِّ شيء

حتَّى ما عافَ منهُ شيء.

و تلا الليلَ النهار

و استُبْدُل بالحديدِ النَّضار

و خَبَتِ المشاعر

و ذوت و تبدَّدتِ الرُّؤ ى

و طاحتِ الأفكار

و انقلب البُلبُلُ الغِرِّيدُ غراباً و قِحاً

نذير شؤمٍ و سوء و خرابٍ و دمار

حتى رأيتُني ذاتَ ليلةٍ أمشي بين يدي جنازةٍ ذاتِ أبَّهةٍ و جلال

بينما تمشي الجنازةُ فتمُرُّ إلى جانبِ الشَّجر فتشيبُ خضرتُه

و يحالُ جُذوعاً يابسة

و حيثما غادرتْ تلك الجنازةُ

غادرتِ الحياة

إلى أن انتهتْ خارجَ المدينة

فتَلفَّتُ ورائي أنظُرْ

فإذا بالمدينة خاويةً على عُروشِها

و كأنَّها من أطلالِ قومٍ داثرين

فعجبتُ لحالِ هذه الجنازةِ أشدَّ العَجَبْ

و أسررتُ في نفسي السُّؤالَ عن صاحِبِها

فإذا لوحةٌ عُلِّقَتْ على مُقَدِّمَةِ النَّعشِ رُسِمَ عليها بالخَطِّ العريقْ

"قلبُ المَلِك"

أظننتَ أن أفنى و تبقى بعد موتي مُستَمِرْ!!

أو خلتَ لا تُمسي حياتُكَ كالهشيمِ المُحتَظِرْ!!

و حَسِبْتَ أن تُلفي نعيماً دونَ قلبٍ مُستقِرْ!!

و وهمتَ أنَّ الفكرَ فكركَ قادراًً أن يَستمِرْ!!

و رجوتَ أن تُزجي خيالكَ في فضاءٍ يَسبَحُ!!


***




مع تحيات الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © ابن نزار الدمشقي

تصميم الورشه