دومي على الهْجْرِ

0


دومي على الهْجْرِ لا تأتي و لا تَصِلِي
من باتَ يحتارُ  مهما اجتازَ لمْ يَصِلِ

إن كنتِ في الحُبِّ لا تدرين موهِبَتي
فلتأخُذي الحُبَّ عن نجمي و ترتحِلي

و لتُرجِعي هِبَتي فالشِّعْرُ إن يُلقَ
و الشَّعرُ إن يبقَ في الأمواتِ لَمْ يَطُلِ

لا تحسَبي الكأسَ بحراً قد سبَحتِ بها
إن كانَ ثمَّة ملحٌ فهي من مُقَلي

فلقد قطعتُ ببطنٍ الحوتٍ مرحلةً
حتى أفقتُ بذاكَ الكهفِ كالثَّمِلِ

و لقد رأيتُكِ حتَّى خِلتُ أنَّ لنا
ما قبلَ غفوتِنا في الأعْصُرِ الأُوَلِ

عشرينَ عاماً قضيناها هوىً و غِوى
في الشِّعرِ و الحُبِّ بين الهمسِ و القُبَلِ

قبلَ اللقاءِ بألفٍ كنتُ مُتَّكِئاً
تحتَ الشُّجيرةِ أزجي السَّمنَ بالعسلِ

و الحُسْنُ في الروضِ صُبحاً لا يراهُ سوى
العُشَّاقِ كالطِّفلِ أو كالشَّاعِرِ الغَزِلِ

أرنو الصَّباحَ بهاءً كان أحسَنَه
شمسٌ أطلّتْ على الرَّوضاتِ بالغَزَلِ

حتى استفقت بروحٍ كنت نائمها
فوجدتُ بي نَصَباً و قذىً بها مُقَلي

آذَتْنِيَ الشَّمسُ حقَّاً فاسْتَجَرْتُ بِهَا
أضْحَتْ تُبَدِّلُ بين الوَمْضِ و الشُّعَلِ

و لقد فُتِنْتُ... على رأسي قُلُنْسُوةٌ
خَزٌّ و ديباجٌ في جوهَرٍ و حُلي

لم أدَّكِرْ أنِّي كُنتُ الأميرَ و في
قِطرِي أكابِرُهُمْ يرنون في حُلَلي

و نَزَلتُ عن عرشي و خَرجتُ من قصري
و خرجتُ عن مُلكي كمُسافِرٍ عَجِلِ

ما عابَهُ النَّاسُ إلاَّ أنَّهُمْ عجِبوا
لم يهبِطِ البدرُ طولَ الدَّهرِ أو يُجُلِ

ذاك المُسافرُ ما باعَ الحُليَّ و لَمْ
يُبقِ على التَّاجِ كُفي بالأعيُنِ النُّجُلِ

حتى استهامَ ببطنِ الوادِ ثُمَّ على
الأبحارِ خاضَ بِها بالسِّفرِ حين تُلي

عشرين عاماً و قد باعَ الدُّنا زُهداً
بالملكِ  و المالِ و السُّلطانِ و الخَوَلِ

عشرين عاماً و قد هَامَتْ بِهِ و بها
ذابَ المُسافِرُ لَمْ يُفْصِحْ و لَمْ تُقُلِ

حتى أفاقَ بيومٍ كانَ أوَّلُهُ
لمَّا رآكِ بتلكَ الدَّارِ و الحُلَلِ

فَخِلتُكِ الشَّمسَ فاستنكرتِ معرِفةً
عاودتُ فاعتَدتِ على الإنكارِ في مَلَلِ

فلتغفِرِ الشَّمسُ نسياني و ما اقْتَرَفَتْ
عيناي من ذَنْبِ أو قلبي من زَلَلِ

ما كُنْتُ أقصدُ لكِنْ شفَّني طَمَعٌ
قد شاقني ضوءُها فسهوتُ في أملي

فلتحسَبي ما شئتِ لكن فاعذُريني فَقَدْ
أخطأتُ فيكِ و ضِعفُ الصَّفحِ للثِّمِلِ

***



مع تحيات الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © ابن نزار الدمشقي

تصميم الورشه