لن أعتذر

4


لن أعتذِرْ
يا طيفَها لن أعتذِرْ
لن أترُكَ العطرَ الثَّمينَ بِجوِّ صُبْحي ينتَشِرْ
صيّرتَني جِلداً و عَظْماً
ذاب لحمي رقّ عَظْمي
كادَ حُلْمي يندثِرْ
قد كانَ قلبي خالياً
بلْ بُلبُلَ الدَّوحِ المُطيَّبِ بالأثيرِ المُنْتَشِرْ
ضيّعتَ عُمْرِي
فانقلبتَ مُرائياً
تحثو التُّرابَ مُكذِّباً تلكَ الحُفَرْ
تجني على باقي العُمُرْ
يا طيفَها لا تعتذِرْ
قد كان قولي فيكَ ختلاً
بل هُراءً بل مِراءً
كان زوراً و افتراءً
بل خِداعاً و اختراعاً
في ضياعٍ مُستمِرْ
بل كان حُبِّي مثلَ صحنٍ فيهِ دهنٌ
راحَ دُهني
جفَّ لحني
طاحَ صحني و انكسرْ
بل كنتُ كذَّاباً أشِرْ
***
يا طيْفَها لن أعتذِرْ
لا لن أقولَ أتيتُ ذنباً فاصفَحَنْ أو فاغتَفِرْ
لا لن أكونَ كذا جباناً
كالضَّميرْ المُستَتِرْ
فأنا السَّحابُ يُظِلِّكُمْ
و أنا القَمَرْ
فهل تُرى إن غابَ يوماً
غاب شهراً
غاب دهراً
جاء صُبحاً يعتذِرْ!!
***
لن أعتذِرْ
إن كنتَ ضوءاً أو سناءً
كنتَ شمساً أو سماءً
كنتَ سجناً
كنتَ كوناً
كنتَ ما كنتَ استكِنْ
أو ريحَ شُؤمٍ عاتيةْ
أو يومَ نحسٍ مُستمِرْ
سبعاً و عشراً قاسيةْ
أو كنتَ ما كنتَ استمِرْ
فَليَ البراءةُ في الزُّبُرْ
فَلترسِلَن عشراً أخَرْ
ما كُنتَ كُنْ
لا لن أراكَ
سأرنو ربِّي و القَدَرْ
***
يا طيفها لن أعتذِرْ
لا لن أجيءَ لبيتها مثلَ الذَّليلِ المُنكَسِرْ
فلِمنْ أدِلُّ تواضعاً
و أنا الهشيمُ المُحتظِر!!
كنَّا البراءةَ في الحياةْ
وكذا البلابلَ في الشَّجَرْ
كنَّا الطُّفولةَ كلَّها
كنا الطّهارة
و السَّماحَةَ
و الرّشادَ مع النُّها
فأتى غرابٌ ناغِقاً
ذهبتْ توارتْ فَاخْتَفَتْ
فاجتاحَ غُصْني فانْقَعَرْ
طَفِقَ الغرابُ مُطارِداً
عصفورَ أيكٍ فانأسَرْ
ألقاهُ في سِجنٍ ظلامٍ
كبَّلَ العُصفُورَ ظلماً
راحَ يجتاحُ الأُخَرْ
فاليومَ في قَفَصي سجيناً
ليس خُبزاً أو عجيناً
أو شراباً أو طَحيناً
أو سِراجَاً أو فتيلاً
أو فِراشاً أو غِطاءً
بتّ في حرٍّ و قرّ
***
أفأعتذِر!!
أفأعتذِر!!
من شيءٍ أعتذِرْ!!
عن أي ذنبٍ أعتذرْ
و أنا الملاكُ المُنتَظَرْ؟!
و اسمي المدوَّنُ في الزُّبُرْ
شعري المدوِّي في الوجودْ
إذ فاحَ فجراً كالعبير
إذ ضاعَ لحناً مُسكِراً ثُمَّ انتَشرْ
و بغيرِ عُودٍ أو كمانٍ أو وَتَرْ
***
يا طيفَها عندي خَبَرْ
يا طيفَها عندي خَبَرْ
و لقد رأيتُكَ ساحراً
ما كنتَ حقَّاً كالبَشَرْ
فاجتحتَ ليلي لستَ تألو
قدْ ظننتكَ يومَ سَعْدٍ مُسْتمِرْ
بلِ قدْ ظننتُكَ لي الشَّريكْ
بلِ الملاكَ المُنتَظَرْ
إذ نادى يا عبدُ اصطبِرْ
يا طيفَها و أنا أكيدٌ لستَ حقَّاً كالبَشَرْ
***
يا طيفَهَا و لقد رفَضْتَ بأنْ تكونَ
ليَ الشَّريكَ
أو الملاكَ المُنتَظَرْ
يا طيفَها و أنا أكيدٌ لستَ عندي كالبَشَرْ
أفساحرٌ!!
أو كاهنٌ!!
أوَتًُسمِعُ الأُطروشَ
أو تحيي بِسِحْرِكَ من تسجَّى في الحُفَرْ؟!
يا طيفَها من ذا يكون ؟!
يا هاجِساً فلقدْ أتيتَ كَمِثلِ سِحْرٍ مُسْتَمِرْ
حيَّرتَني
فكَّرتني
ذكَّرتَني في عرشٍها
إذ جاءً في لَمْحٍ البَصَرْ
ناداه عِفريتٌ يقول:
"يأتيك قبل رواحِنا
و أنا أمين مُقْتدِرْ"
بل قال آخر:" لا و لا
يأتيك في لَمْحِ البَصَرْ"
فرآهُ عِنْدَهُ مُسْتَقِرْ
يا طيفَها أفذاكَ أنت!!
ماذا تكون؟!!
ماذا تكون؟!!
هاروتُ أو ماروتُ قل لي من تكون؟!!
إبليسُ أقدرُ منكَ في نسجِ الصُّوَرْ


***



مع تحيات الموقع الرّسمي للأستاذ ابن نزار الدمشقي

التعليقات

جميع الحقوق محفوظه © ابن نزار الدمشقي

تصميم الورشه